بقلم : مها دياب
في أحد أحياء المدينة الهادئة، حيث تصطف البيوت القديمة كحكايات صامتة، تعيش فريزة أحمد، امرأة في الخمسين من عمرها، تسكنها ذكرى غائبة منذ ثماني سنوات. كان زوجها مرشد في طريقه إلى العمل ذات صباح عندما اختفى دون أي أثر، تاركا وراءه بابا مفتوحا، وكرسيا لم يعد يجلس عليه أحد، وقلبا لا يعرف الراحة.
لم يكن اختفاء مرشد مجرد حادثة عابرة في حياة زوجته، بل تحول إلى رحلة بحث لا نهاية لها، دفعتها إلى طرق أبواب المؤسسات، والاستماع إلى وعود كثيرة لم تجد طريقها إلى التنفيذ. كل يوم يمضي، كانت الأوراق الرسمية تزداد، والمكالمات تتكرر، لكن الإجابة بقيت بعيدة كظل لا يمسكه الضوء.
الأمل في هيئة رسمية
مع صدور المرسوم رقم 19 لعام 2025 بإنشاء هيئة المفقودين، وجدت فريزة بصيصا من الأمل وسط العتمة. تقول: "هذه أول مرة أشعر بأن صوتنا يسمع... لسنا مجرد أرقام في ملفات، نحن زوجات و أمهات وآباء وأشقاء نبحث عن الحقيقة."
يشير المحامي زاهد زيادة إلى أن تأسيس هذه الهيئة يمثل تحولا كبيرا في التعامل مع ملف المفقودين، إذ يمنح العائلات حق المعرفة والبحث وفق ضوابط قانونية واضحة، ويعزز شفافية التحقيقات لضمان عدم تحول القضية إلى مجرد وعود مؤجلة.
بين الحقوق والقلب
لا تقتصر أهمية هذه المبادرة على البعد القانوني، بل تمتد إلى الجانب الإنساني الذي يؤرق آلاف الأسر. بينما يؤكد المحامي فرحان برجاس أن التشريعات الجديدة يجب أن تتضمن دعما نفسيا واجتماعيا للعائلات التي تعاني من تداعيات الفقدان، مشددا على أهمية وجود آليات تكفل تعويضت معنويا يخفف من قسوة الغياب.
طريق العدالة لا يزال طويلا
رغم التفاؤل الحذر، لا تزال فريزة تعلم أن رحلتها لم تنته، تتابع أخبار الهيئة الجديدة، وتترقب أول خطوة عملية تستطيع عبرها الوصول إلى معلومة واحدة مؤكدة عن زوجها. "لا أريد وعودا، أريد أن أعرف... هل أبحث عنه أم أعيش على ذكرى لن تعود؟"
بين القوانين الجديدة والآمال المعلقة، يبقى ملف المفقودين اختبارا حقيقيا لمدى التزام الدولة بالحق في كشف الحقيقة، والتعامل مع إرث السنوات الماضية بمسؤولية لا تقبل المساومة.