كتب : محمود علي
في مشهد يُجسد تلاقي العمل الدبلوماسي مع الرؤية التنموية، اجتمع الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان، والسفير بدر عبدالعاطي، وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين في الخارج، مع السفراء المصريين المرشحين للعمل في عدد من سفارات مصر حول العالم، في لقاء استثنائي بمقر وزارة الخارجية في العاصمة الإدارية الجديدة، حمل بين طياته رسائل عديدة تتعلق بمكانة مصر الصحية والدور المنتظر من ممثليها بالخارج.
لم يكن اللقاء بروتوكولياً تقليدياً. فقد جاء في إطار برنامج تأهيلي يُعد الأول من نوعه من حيث المحتوى والأهداف، حيث يُجهز السفراء ليس فقط للقيام بمهامهم السياسية والدبلوماسية، بل ليكونوا أيضاً سفراء لمنجزات مصر في القطاع الصحي، الذي يشهد تحولاً جذرياً خلال السنوات الماضية.
في حديثه خلال الاجتماع، لم يكتفِ الدكتور خالد عبدالغفار باستعراض إنجازات وزارة الصحة بالأرقام، بل حمل عرضه رؤية شاملة للمستقبل، ارتكزت على تحفيز الدبلوماسيين على الترويج لما أصبحت تمتلكه مصر من إمكانات طبية هائلة. فمنظومة الصحة في مصر لم تعد مجرد خدمات محلية، بل مشروع وطني طموح يحمل بعداً دولياً واستثمارياً، ويرتكز على مفهوم التكامل ما بين تقديم الخدمة والبحث العلمي والتصدير الدوائي والسياحة العلاجية.
728 مستشفى، وأكثر من 5 آلاف وحدة رعاية أولية، وقرابة 4.7 ألف مكتب صحة... هذه هي بعض من ملامح البنية التحتية التي استعرضها الوزير أمام الحضور. كما سلط الضوء على القفزة النوعية في الإنفاق الصحي الذي بلغ تريليون جنيه منذ 2014، في دلالة واضحة على توجه الدولة الحاسم نحو بناء منظومة صحية عصرية.
واستعرض الوزير أيضاً برامج نوعية تتخطى فكرة العلاج التقليدي، لتنتقل إلى المفهوم الشامل للصحة، مثل المبادرة الرئاسية للقضاء على قوائم الانتظار، التي شملت تخصصات دقيقة مثل جراحات القلب والمخ والأعصاب وزراعة القوقعة، وغيرها.
الأرقام هنا تنطق: 3.4 مليون قرار علاج على نفقة الدولة سنوياً، إلى جانب تغطية 69 مليون مواطن تحت مظلة التأمين الصحي، مقارنة بـ54 مليون فقط قبل عقد من الزمان.
عندما تحدث الوزير عن القضاء على فيروس "سي"، لم يكن فقط يسرد إنجازاً داخلياً، بل كان يرسم خريطة دبلوماسية لقصص النجاح المصرية التي يمكن تصديرها إلى الخارج كنموذج يحتذى به. منظمة الصحة العالمية أشادت بالتجربة، واعتمدت مصر كمركز مرجعي في مقاومة مضادات الميكروبات، وهي إشادة تفتح أبواباً واسعة للتعاون مع الدول التي تسعى لنماذج مشابهة.
الملف الأبرز في هذا اللقاء كان يتعلق بالاستثمار. مصر، التي باتت تمتلك 800 مصنع دواء، تسعى لأن تتحول إلى مركز إقليمي لصناعة الدواء في إفريقيا وآسيا الوسطى، مستفيدة من اعتماد هيئة الدواء المصرية دولياً، ومن جودة الصناعات الدوائية محلياً.
السفراء، من جانبهم، لم يخرجوا من الاجتماع بملف صحي فقط، بل بمهمة جديدة: أن يكونوا واجهة لمصر الصحية في الخارج، يفتحون أبواب التعاون الطبي، ويجذبون الاستثمارات الأجنبية، ويروجون للسياحة العلاجية، ويسهمون في نقل الصورة الحقيقية لإنجازات مصر الحديثة في القطاع الصحي.
وفي ختام اللقاء، أكد السفير بدر عبدالعاطي على أن هذا النوع من التعاون بين الخارجية والصحة يمثل نموذجاً يُحتذى في التكامل المؤسسي. فالدبلوماسية الحديثة لم تعد تقتصر على السياسة، بل باتت أداة محورية لدعم أهداف التنمية، وجذب الفرص، ونقل الخبرات.
الرسالة واضحة: مصر لا تصدر فقط سفارات، بل تصدر قصص نجاح.. في الصحة، في التنمية، وفي بناء مستقبل أكثر إشراقاً لمواطنيها وللمنطقة.