بقلم : هبة فرحات
في إحدى المدن الصغيرة، حيث الحياة البسيطة والوجوه الطيبة، كانت تعيش فاطمة، أم لسبعة بنات، امرأة في منتصف الأربعينات من عمرها. حياتها كانت مليئة بالتحديات، لكن لم يكن هناك تحدٍ أكبر من الذي واجهته عندما اكتشفت أنها مصابة بمرض السرطان.
بداية الصراع
كانت فاطمة امرأة قوية، تعيش حياةً مليئة بالحب والمثابرة. على الرغم من أنَّها كانت تعاني من أعباء الحياة اليومية، مثل توفير احتياجات بناتها السبعة، إلا أنها كانت دائما ما تجد الوقت لإعطاء كل واحدة منهن عناية خاصة. كل واحدة من بناتها كانت ترى في والدتها مصدر أملٍ وصبرٍ. ولكن في أحد الأيام، اكتشفت فاطمة شيئًا مريبًا في جسدها. كانت تشعر بتغيرات غير مفسرة، وآلام مستمرة، لدرجة أنها قررت زيارة الطبيب.
التشخيص كان صادمًا: "سرطان الثدي في مرحلة متقدمة". كلمة "سرطان" كانت كالصاعقة، ولكن فاطمة لم تترك الأمر يقهرها. كان لديها سبع فتيات تنتظر منهن الحياة والدعم. كيف يمكنها أن تفكر في الاستسلام الآن؟
رحلة العلاج
بدأت فاطمة رحلة العلاج الشاقة. جلسات الكيماوي كانت تجلب معها الآلام والتعب، ورغم ذلك، كانت تنظر إلى بناتها بكل حب وأمل، وتقول لنفسها: "لا يمكنني تركهن". كان يشغلها سؤال واحد: "كيف سأتمكن من العيش لأراهن يكبرن؟" في كل جلسة كيماوي، كانت تذكر نفسها بأن رحلتها ليست من أجلها فقط، بل من أجل كل واحدة من بناتها.
لكن لم يكن الأمر سهلًا. مع مرور الوقت، بدأت حالتها تتدهور. الشعر الذي كان يزين رأسها بدأ يتساقط، وجلدها أصبح شاحبًا. كانت تبتسم وتخفي الألم عن بناتها، لكن الحقيقة كانت أنها تكافح بكل ما أوتيت من قوة. كانت تحاول أن تزرع في بناتها قيم الحياة الكريمة، وعلمتهن الصبر والتمسك بالأمل.
إرث لا يموت
رغم كل التحديات، كانت فاطمة تسعى دائمًا لتعطي بناتها الدروس التي لن تنساها أبدًا. كانت تحكي لهن قصصًا عن قوتها في مواجهة المرض، وتعلمهن كيف تكون الفتاة قوية في مواجهة تحديات الحياة. كانت تحثهن على أن يتعلمن من التجارب، وأن يواجهوا الحياة بشجاعة حتى عندما تكون مليئة بالصعاب.
إلا أنَّ المرض كان أقوى منها في النهاية. في اليوم الذي لم تتوقعه، انهارت قوتها، وتوقف قلبها عن الخفقان. تركت وراءها إرثًا من الحب والتضحية، ولكن الأهم من ذلك، تركت بناتها وهم في ذروة قوتهم، مع قيم الحياة التي غرستها فيهن.
الحياة بعد فاطمة
بعد وفاتها، اجتمع الجميع في بيتها الصغير، يلتفون حول البنات السبعة. كانت كل واحدة منهن تحمل في قلبها جزءًا من والدتها، وتؤمن أن الحياة، رغم قسوتها، لا تتوقف عند أي لحظة. تعلموا أن فاطمة، رغم غيابها الجسدي، ستظل حية فيهم، في كل فعل طيب وكل قرار حكيم.
"أمي لم تكن مجرد أم، كانت هي الحياة نفسها. رحلت عنّا، لكن قوتها، وصبرها، وكل شيء تعلمناه منها لن يذهب سدى"، هكذا قالت واحدة من بناتها، وهي تدمع عينها.
وبالرغم من أن فاطمة قد رحلت، إلا أن القيم التي غرسها في بناتها، والحب الذي بثته في قلب كل واحدة منهن، سيتنقل من جيل إلى جيل. لقد تركت بصمة لا تُمحى في حياتهن، وستظل مصدر إلهام لأجيال قادمة.
قصة فاطمة هي قصة عن الأمل، الصبر، والتضحية. هي قصة امرأة رفضت الاستسلام للألم مهما كان قاسيًا، وضحت بكل شيء من أجل بناتها. صحيح أن مرض السرطان أضعف جسدها، لكنه لم يستطع أبدًا أن يضعف روحها.