بقلم : حلا الخطيب
“عند دخولك إلى داريا، عليك أن تخلع حذاءك، لأن ترابها من رفات شبابها.”
فوق هذا التراب، مرّ شاب يُشبه كل شاب، لكنه صنع فرقًا يُشبه المعجزات… اسمه غياث.
في بدايات الثورة السورية، وبينما كانت المظاهرات تملأ الشوارع بالغضب، قرّر شاب عشريني من داريا أن يزرع شيئًا آخر: ورد وماء.
غياث مطر، طالب اقتصاد، عادي الملامح، لكنّه صاحب قلب استثنائي. حين كانت قوات الأمن تداهم بلدته، لم يفكر في المواجهة بالحجارة أو الهتاف وحده، بل بدأ حملة مختلفة.
قام غياث وأصدقاؤه بتجهيز أكياس صغيرة تحتوي على زجاجة ماء، وردة، وعبارة مكتوبة بخط اليد:
“نحن نحبكم… لا تطلقوا النار.”
كانت طريقته صادمة… ثائر لا يصرخ، بل يهمس للجنود بنداء إنساني.
سرعان ما أُطلق عليه لقب “غاندي الصغير”، تشبيهًا بزعيم اللاعنف الهندي، لكنه لم يكن يُقلّده، بل عاش فكرته بطريقته السورية البسيطة.
بعد أيام، اعتُقل غياث.
وفي اليوم الرابع، عاد إلى أهله… ملفوفًا بقماش أبيض، وجسده يحمل آثار تعذيب لا تُصدق.
تعرفوا عليه من ملامحه الأخيرة، لكنّ قلبه ظلّ حاضرًا في كل داريا.
لم يمت غياث… مات جسده فقط.
اليوم، اسمه محفور على الجدران، في المكتبات، وفي ذاكرة كل طفل يزرع وردة بدلًا من أن يحمل سلاحًا.
صوته ما زال يُهمس في الشوارع القديمة:
“الحرية لا تعني الكراهية، بل الحب… حتى في أقسى اللحظات.”
في داريا، غياث صار فكرة.
والأفكار… لا تُعتقل