كتب: نيفين رضا
من بين الأزمنة الشريفة -التي لا يصح لا شرعًا ولا عقلًا ولا عُرفًا أن يُفرِّط فيها التجار الصالحون-: يوم عرفة؛ بجماله وزينته وبركاته ورحماته وفضائله وأسراره..
وبالحديث مع الأستاذ الدكتور عادل هندي ( أستاذ مساعد في كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر)، سوف نتعرف على أسرار خاصة بيوم عرفة منها:
- أسباب لتسمية يوم عرفه بهذا الاسم.
-فضائل ليوم عرفه.
- أعمال صالحة مستحب فعلها في هذا اليوم.
لماذا سمي يوم عرفة بهذا الاسم ؟
سمي بعرفة لعدة أسباب منها:
-من باب إضافة اليوم إلى المكان (جبل عرفة).
-لأن الناس فيه يتعارفون فيه على بعضهم ويتحقق مبدأ التعارف الإنساني: (لتعارفوا).
-لأنّ الناس فيه يعترفون بذنوبهم ويقرّون لربّهم بالتقصير في حقه سبحانه وتعالى.
-لأنّ الله تعالى فيه عرَّف عباده كمال دينه وتمام نعمته ورضى فيه لهم الإسلام دينا.
-وقيل إن آدم وحواء تعارفا عنده بعد الهبوط من الجنّة.
-وقيل لأنّ جبريل عرّف إبراهيمَ المناسك ثم قال له: عرَفْتَ؟! فقال: نعم، فسمّيت عرفة.
فضائل يوم عرفة:
-تجتمع فيه فضائل العبادات وأمهات الطاعات، وهو يوم يرتبط فيه المسلم بشعائر دينه المعظَّمة، وترتفع همّته نحو طاعة ربه سبحانه..
- أحد الأيام المعلومات التي جعلها الله -تعالى- سببًا لشهود المنافع المادية والمعنوية؛ فقال: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28].
-أحد أيام العظمة والمكانة التي أقسم الله تعالى بها في كتابه المجيد؛ فقال: {وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1، 2]، ومعلوم أنّ العظيم سبحانه إذا أقسم بشيء دلَّ على عظمته.
-هو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتمّ فيه النعمة على الناس أجمعين؛ فقال تعالى فيه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] وهو يوم عيد الحجّاج بلا منازع.
-يوم خطبة البلاغ والوداع، فهو يوم خاطب فيه نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلّم الدنيا بحقوق الإنسانية والبشرية؛ وفيه أعلن للدنيا عظمة هذا الدين، وقرّر فيه عددًا من أدوات السلام والتعايش الأمان الخاص والعام.. لو كانوا يعقلون!
-صيامه سنة مؤكّدة عن رسولنا الحبيب -صلى الله عليه وسلّم- وصيامه سبيل تكفير ذنوب سنتين؛ ففي الحديث -كما عند مسلم في صحيحه- فعن أبي قَتَادَة رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى الله أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ».
-يوم المباهاة والعتق من النيران، فهو أكثر يوم يعتق الله فيه عباده من النار؛ ففي الحديث: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة)، وفيه مباهاة الله تعالى لملائكته، ويقول لهم: (انظروا إلى عبادي؛ أتوْني شعثًا غُبرًا).
-فيه الركن الأعظم في الدين وفي شعائر الإسلام وشرائعه، وهو الوقوف بعرفة؛ حتى جُعل الحج في نُسك عظيم، عبَّر عنه نبينا المصطفى بقوله: (الحجّ عرفة)، ويُعرف يوم عرفة بيوم الحج الأكبر من شروق التاسع من ذي الحجة حتى غروب نفس اليوم.
-يوم حفظ اللسان والسمع والبصر عن الحرام والثواب فيه كبير؛ ففي الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للفضل ابن العباس يوم عرفة: «يا ابن أخي هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له» وزاد البيهقي في رواية: ((من حفظ لسانه وسمعه وبصره يوم عرفة غفر له من عرفة إلى عرفة))..
-يوم الدعاء المستجاب؛ وقد ورد في ذلك عدد كبير من الأحاديث والروايات، ومنها:
-(خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) .
-الدعاء في يوم عرفة ليس للحجاج وحدهم؛ بل ولمن فاتهم الحج.. وهذا الدعاء هو من المأثور في دعائه -صلى الله عليه وسلّم- يوم عرفة، ولا يُمنع من الدعاء بغيره؛ بشرط الإخلاص، وصحة المقصد، وسلامة الكلمات المستخدمة في الدعاء.. كما يستحب في هذا اليوم تعميم الدعاء وتخصيصه على السواء؛ فالدعاء للأُمّة وبلدانها بالعافية والستر والأمان مطلوب للحجاج وغيرهم، و الدعاء بالتوحيد والتهليل، وإعلان التوحيد والتخلص من كل ما يمسّ توحيد المسلم وعقيدته الصحيحة؛ ففي الحديث: كان أكثر دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم عرفة «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير وهو على كل شيء قدير» مسند الإمام أحمد.
-ومن الدعاء: طلب الغفران والعتق من النار: وكان من دعاء الإمام علي بن أبى طالب -رضي الله عنه-: (اللهم اعتق رقبتي من النار وأوسع لي من الرزق الحلال واصرف عني فسقة الإنس والجان).
طاعات أخري في يوم عرفة :
- إعلان التوبة النصوح بين يدي الله تعالى في هذه الأيام:
فإذا كانت التوبة مطلوبة في كل يوم وليلة؛ لا سيّما وأنّ الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيئ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيئ الليل.
-الإكثار من الصدقات المادية والمعنوية :
لما فيها من التقرّب إلى الله تعالى وابتغاء الأجر والثواب منه سبحانه عن طريق البذل والعطاء والإحسان للآخرين، قال تعالى : {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ}
و يترتب على ذلك تأكيد الروابط الاجتماعية في المجتمع المسلم من خلال تفقّد أحوال الفقراء والمساكين واليتامى والمُحتاجين وسد حاجتهم، لا سيّما وأنّ موسم العيد فيه يحتاج الفقراء للطعام والملبس الجديد، وفي ذلك درْس في الإحساس وبث المشاعر الطيبة.
وفي الصّدَقة أجرٌ عظيم وإن كانت معنويةً وغير مادية؛ فقد ورد في الحديث الصحيح كما عند البخاري: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ»، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «يَعْمَلُ بِيَدِهِ، فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «يُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ، وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ»...
-تنوع الطاعات في يوم عرفه :
لأنّ العملَ الصَّالح محبوب إلى الله تعالى وهذا يستلزم عِظَم ثوابه عند الله تعالى ، فمن لم يمكنه الحجّ فعليه أن يعمر هذه الأوقات الفاضلة بطاعة الله تعالى من الصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والصدقة وبر الوالدين وصلة الأرحام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من طرق الخير وسُبُل الطاعة ، والإصلاح بين الناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتعاون مع المسلمين فيما فيه خير.
وأخيرًا فعلى العبد أن يجتهد و يكثر من الأعمـال الصّالحة، كالصّلاة والزّكاة والصوم والصدقة وغيرها ، فقد ضاعف الله فيها الثواب والأجر ، حتى ينال الجزاء الوفير من الله العليّ الكبير.