كتب: نيفين رضا
هكذا هي سنّة الله تعالى في الأيام والأوقات؛ تمضي سريعًا، لاسيما أيام الطاعات، إلا أنّ في ختام مواسم الطاعات تكثر العطايا وتزداد الهمم وتُقبِل الأفئدةُ والقلوب على علام الغُيوب طلبًا واستغاثة ورجاءً..
وقد أخفي الله تعالي ليلة القدر، فهي ليست ليله محددة ، لذلك فمن الأحرى لكل مسلم ، تحري ليله قدره والاجتهاد في العشر الأواخر كافه، من عبادات وطاعات وأعمال صالحه حتي آخر ليله في رمضان.
ويحدثنا دكتور ( عادل هندي ) أستاذ مساعد بكلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر، فيما يلي عن فضل العشر الأواخر من رمضان .
إنها العشر الأواخر من رمضان، قيل في شأنها: إنّ الله أقسم بها في كتابه بقوله: )وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْر( .. إنها زاد جديد لقلب المؤمنين الطائعين، وفرصة نجاة للمقصِّرين المذنبين -غفر الله لنا وللجميع-، زاد لاستكمال الشحنة السنوية المعتادة في رمضان، ولم لا نعظِّم هذه الأيام وفيها من الخيرات والبركات ما فيها، ومن تلك الخيرات ما يأتي:
خيرات وبركات في العشر الاواخر من رمضان:
1. وجود ليلة العمر (ليلة القدر) بين لياليها، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلّم قد أوصى بتحريها؛ لما لها من فضل عظيم وثواب كريم.
2. زيادة عدد الذين تُعتق رقابهم من النار في ختام شهر رمضان.
3. اهتمام سيدنا رسول الله بها؛ حيث كانت تتغير حالته ويتغير حاله فيها؛ فقد كان إذا أقبل العشر يشد المئزر -كناية عن الاجتهاد وعلوّ الهمّة- ويُحيي ليله قائمًا لربه سبحانه، ويوقظ أهله؛ إعانة لهم على طاعة المولى الكريم.
4. اشتمالها على عبادات لا تحدث إلا فيها، وارتبطت بشرف زمانها، مثل عبادة (الاعتكاف، وزكاة الفطر) وكلاهما صلة قلبية وروحية وسلوكية بين العبد وربه، وبينه وبين الناس من حوله.
5. إنها فرصة إصلاح القلب في خلوته مع ربّه، فرصة لبناء وعي جديد للعقل والقلب والجوارح.
ومن هنا يلزم على العقلاء -من أبناء الإسلام- استنهاض الهمم نحو أعمال جليلة تُرفع بها الدرجات، وتُغفر بها السيئات، وتُمحَى بها العثرات..؛ حيث ينبغي للمؤمن العاقل أن يُدرِكَ شرف زمانه، ولا تكن أيامه ولياليه سواء..
أعمال القلب في العشر الأواخر من رمضان:
رحلة القلب في ختام رمضان
(أعمال العشر)
1. تحديد الهدف وتجديد النية: فمن المعلوم أن السائر على طريق بلا هدف، لا يصل إلى وجهة صحيحة، كما أنّ سفينة بلا قبطان لا ترسو على شاطئ الأمان، فينبغي أن تفكر فيما تريد تحقيقه من أهداف في العشر الأواخر من رمضان، مع تجديد نيتك لربك، وتذكر قول مولاك: )وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ( [البينة: 5] فحتى لا يضيع الثواب: تذكر النية دومًا؛ لئلا يقع أحدنا في دائرة )، وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا( [الفرقان: 23] نسأل الله تعالى العفو والعافية وأن يرزقنا الإخلاص والقبول.
2. الجاهزية وإعداد العدّة للعشر الأواخر: بحيث لا تكن كغيرها من أيام سبقت، فإن الإعداد الجيد للأعمال المهمّة سبيل الجودة والإنجاز، وقد قال تعالى: )وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً( [التوبة: 46] فلو صدق العبد حقيقة لأعدّ العُدّة، تفكّر: أين أنا من القرآن؟ أين أنا من القيام؟ أين أنا من الصدقة؟ أين أنا من كل أعمال الخير، التي يمكن القيام بها.
3. احذر المشوشات: كما تكثر أعمال الطاعات، تكثر أيضًا المشوشات المضيعة للأعمار، قال تعالى: )وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا( [النساء: 27] فإرادة الله هي التوبة علينا، وإرادة أصحاب الشهوات والشبهات أن نميل وننحرف عن غاية الوجود الحقيقية، وقد شارك في هذا الانحراف مجالس الغفلة لأهلها، وكذا تلك المشوشات الرقمية والتكنولوجية.. فلِعظم هذه الأيام يجب أن تنعزل قليلا عن المشوشات التي اعتدت الانشغال بها والاشتغال؛ ولطالما أتذكّر لو أن الواحد منا قام بحساب الوقت الذي يقضيه مثلا على وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت، مثل (متابعة الفيس بوك، رسائل الواتس آب، التيليجرام، التويتر، اليوتيوب.... إلى غير ذلك) لاكتشفنا أننا ضيعنا الكثير من أعمارنا، فبدلا من ذِكْر يضمن لك بيتا أو نخلة أو قصرا في جنة الله، تجد البعض يسارع نحو تلك الوسائل المشوشة المضيعة للأوقات والأعمار وحصاد الخير.
4. إنشاء جدول تتنوع فيه العبادات: بحيث تنوّع عباداتك في هذه الأيام وتلك الليالي، من (ذِكْر وتسبيح وتهليل واستغفار وتحميد وتهليل وقراءة قرآن بشكل جديد)؛ فإن القراءة المعهودة الراغبة في إنهاء الجزء ليست هي المنشودة في قراءة القرآن، نريد قراءة القلب للقرآن لا قراءة اللسان، نريد تدبرًا للكلمات والآيات.
5. الدعاء المستمر وصدق اللجوء إلى الله: حينها فقط تنتقل من ظلمة الجُبّ -الذي اختطفنا وحاصرنا بالدنيا وما فيها- إلى نور القرب من الرب العليّ، ولقد كان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلّم- كما علّم أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنا- أن تُكثر في هذه الأيام من طلب العفو ((اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)) ومعلوم أن العفو في اللغة هو المحو والإزالة، وهذا هو عين الحكمة من اختيار العفو عن المغفرة مثلا؛ حيث إذا عفى سبحانه عنك، فلا أثر لذنوبك السابقة، ما علمه الناس منها وما لم يعلمونه، فأكثر من ذلك الدعاء ليل نهار، وجهز قائمة أدعيتك الشخصية، وأيقن بأن الله لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، واطلب العون والمدد منه دومًا؛ فإياه نعبد وبه نستعين، وانتق أوقات الإجابة كوقت السَّحَر() وعند الإفطار().
6. جبر الخواطر والعفو عن الناس: كثير من الناس يطلب من ربه الكثير والكثير، من طلب الجبر والعفو، وينسى أن من وسائل نيل هذا العفو أن يعفو هو أولا عن الناس، وأن يُسعد الناس؛ ليُسعده ربُّ الناس، وهذه هي المعادلة (أسعِدْ تسعَدْ) وهذه الأيام المباركة أيام سعادة وإقبال على عيد الفِطْر، والناس تتلهّف إلى من يسعدها ويساعدها، فلا تبخل بكلمة طيبة أو مساندة كريمة أو نفقة تُسْعِد الناس، (أنفق يُنفق عليك) إنه النفع المتعدّي، وعبادات المجتمع النقيّ الكريم.. ولا يغب عن شريف علمكم -أيها الكرام- أنه قد ارتبط بختام رمضان إخراج زكاة الفطر؛ ليسعد الناس في أيام العيد ولا يمدّون الأيدي لغيرهم... فهل من مُبادِر؟!
7. اعتكاف القلب: ومن الأعمال الرائعة في ختام رمضان (الاعتكاف) وهو حبس النفس والاختلاء بالله تعالى، والاعتكاف نوعان: (1) اعتكاف البدن بحبسه عن الحياة الفانية (2) اعتكاف القلب وذلك بانشغاله بخالقه وبكلامه.. ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلّم لا يفرّط في الاعتكاف، وكانت تُضرب له خيمة في المسجد، -كما قالت أم المؤمنين عائشة- فإن استحال الاعتكاف لعارض أو نازلة، فعليك أن تخصص لنفسك في بيتك مكانًا للصلاة والاعتكاف والذِّكر وقراءة القرآن.. فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلّم صاح يومًا في أهله -في ختام رمضان- قائلا: ((أيقظوا صواحب الحُجَر؛ فرُبّ كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة)).
8. الخبيئة وعبادة السرّ:
فياللجمال!! حين تحرص على عبادات سرّ بينك وبين الله، لا يعلم عنها أحدٌ شيئًا، تأمن بها من غضب الربّ، وتسكن بها نفسك معه سبحانه، من مثل: (استغفار في وقت السَّحَر، تفطير الصائمين، اتصال بمهموم لتسليته وصرف الهمّ عنه، دفع كفالة ليتيم، إصلاح بين متخاصمين، ركعات في جوف الليل، دموع وبكاء في سجدات بينك وبين مولاك.....) فإن عبادة السر دليل صدق النية للعبد.
9. قيـــام الليل: من صلاة التراويح في المسجد مع المصلين، وصلاة التهجد في بيتك مع أهلك أو بين أصحابك، فإن من بين المعينات على القيام: إحاطة النفس بدوائر الدعم الإيجابية من الأصحاب والمحبين، وتذكّر قول سيدي وسيدك المصطفى -صلى الله عليه وسلّم-: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدّم من ذنبه)) وقوله أيضًا: ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدّم من ذنبه))..
10. صلة الرَّحِـــم: إنه إذا كانت صلة الرحم واجبة في غير رمضان، فإنها في ختامه أوجب؛ حيث مناسبة العيد وموسم الصلات الاجتماعية، فكثِّف التواصل مع أهلك وأقاربك، ولو برسالة، حدِّد بعض الأهل لتتصل بهم، وتتواصل معهم، وتقدّم لهم التهنئة بقدوم العيد المبارَك.
وأخيرًا ففي ختام رمضان تأتي العشر المباركات؛ أيام معدودات فيها ليلة القدر (ليلة العمر)؛ حيث زيادة الثواب وتعويض النقص، أمرنا الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلّم- بتحريها والحرص على قيامها، وقد قال الإمام ابن رجب الحنبلي -أيضًا-: (إن مواسم الفضل يكون آخرها أفضل من أولها؛ كيوم الجمعة ويوم عرفة وليلة القدر: آخرها جميعا أفضل من أولها)، وإنما الأعمال بالخواتيم.