ظاهرة الإنتحار و أسبابها
كتب /سلمى يحيى ، منه الله ممدوح ، هاديه تامر.
من العجيب أن التقدم الذي جاء بمزيد من وسائل الترفيه و الراحة و بمزيد من التسهيلات للإنسان، قد قابله الإنسان بمزيد من الرفض و السخط و التبرم، فرأينا إحصائيات الإنتحار ترتفع مع مؤشرات التقدم في كل بلد.
كلما ازداد البلد مدنيةً ازداد عدد الذين يطلقون على أنفسهم الرصاص و يلقون بأنفسهم من النوافذ و يبتلعون السم و يشربون ماء النار.
هذا غير الإنتحار المستتر بالخمور و المخدرات و التدخين و المنومات و المسكنات و المنبهات، و في مقدمة هؤلاء المنتحرين طلائع فن و فكر وثقافة تعود الناس أن يأخذوا عنهم الحكمة و العلم و التوجيه.
و وصلت الموجة إلى بلادنا فامتلأت أعمدة الصحف بأخبار ابتلاع السم و إطلاق الرصاص و الشنق و الحرق.
و قال المختصون إن نسبة الزيادة الإحصائية تجاوزت العشرين في المائة،و هو رقم كبير.
و الإزدياد متواصل سنة بعد سنة.
و السؤال.. لماذا.. و ما السر؟
و ما سبب الانتحار؟
و إذا تركنا التفاصيل جانباً و حاولنا تأصيل المشكلة وجدنا جميع أسباب الإنتحار تنتهي إلى سبب واحد، أننا أمام إنسان خابت توقعاته و لم يعد يجد في نفسه العزم أو الهمة أو الاستعداد للمصالحة مع الواقع الجديد أو الصبر على الواقع القديم.
إنها لحظة نفاد طاقة و نفاد صبر و نفاد حيلة و نفاد عزم،
لحظة إلقاء سلاح و يأس.
ما يلبث أن ينقلب إلى إتهام و إدانة للآخرين و للدنيا ثم عداوة للنفس و للآخرين و للدنيا تظل تتصاعد و تتفاقم حتى تتحول إلى حرب من نوع مختلف يعلنها الواحد على نفسه و يشنها على باطنه، و في لحظة ذروة تلتقط يده السلاح لتقتلع المشكلة من جذورها.. و لتقتلع معها الاحساس المرير و ذلك بطمس العين التي تبصر و قطع اللسان الذي يذوق و تحطيم الدماغ الذي يفكر و تدمير اليد التي تفعل و القدم الذي يمشي.
و هو نوع من الانفراد بالرأي و الانفراد بالحل و مصادرة جميع الآراء الأخرى بل إنكار أحقية كل وجود آخر غير الذات.
و لهذا كانت لحظة الإنتحار تتضمن بالضرورة الكفر بالله و إنكاره و إنكار فضله و اليأس من رحمته و إتهامه في صنعته و في عدله و رفض أياديه و رفض أحكامه و رفض تدخله.
فهي لحظة كبر و علو و غطرسة و إستبداد،و ليست لحظة ضعف و بؤس و إنكسار.
و بدون هذا العلو و الكبر و الغطرسة لا يمكن أن يحدث الإنتحار أبدا.
فالإنسان لا ينتحر إلا في لحظة دكتاتورية مطلقة و تعصب أعمى لا يرى فيه إلا نفسه.
و الإنتحار في صميمه اعتزاز بالنفس و تأله و منازعة الله في ربوبيته.
و المنتحر يختار نفسه و يصادر كل أنواع الوجود الآخر في لحظة غل مطلق، في لحظة جحيم.
ولا شكّ بأنّ الإنتحار هو محرّم في كافة الشّرائع السّماويّة، وقد أكّد الإسلام على تحريمه تحريمًا قاطعًا لا لبس فيه، وفي الحديث الشّريف عن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام قوله (مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا )، وإنّ علّة تحريم الإنتحار شرعًا أنّ الله سبحانه وتعالى هو صاحب الرّوح التي استودعها جسد بني آدم، فلا يملك الإنسان من تلقاء نفسه التّخلص منها لأنّها أمانة عنده، ولأنّ الله تعالى هو وحده من يحيي، وهو وحده جلّ وعلا من يميت.
محاربة ظاهرة الإنتحار :
على المجتمع والدّولة أن تحرص على تأمين الحياة الكريمة للنّاس، وكذلك أن تبثّ المواد الإعلاميّة التي تحمل رسائل تربويّة وأخلاقيّة تحثّ على معاني الصّبر والإيمان بعيدًا عن الرّسائل التي تبثّ الخوف في صفوف النّاس من المستقبل وتقلّبات الزّمان.