في الثالثة عشر من عمري كُنتُ مُولعةً بالأحكام الفقهية فكُنت عندما أدرس المذهب الحنفي في مدرستي وأرى مناقشات حول رأي معين بين الإمام مُحمد والإمام زُفر مثلاً، كُنت أستمتع كثيراً بتحري كلامً كُلاً مِنهما حتى أصل إلى الرأي الصواب في هذا الحكم.
وفي يوم قررت أن أكتُب بحثاً عن أمرِ يؤرقني وأريد أن أصل لحقيقة الخلاف فيه وهو الموسيقى و المعازف، وبكل حماس ها هي الشابة الصغيرة تبحث في كُتب العلماء والفقهاء حول هذا الأمر الذي عزمت على فعله،وها هي الرحلة تبدأ في البحث في كُتبِ شتى بين مُحرم مثل ابن مسعود والإمام أحمد ومُحلل مثل الإمام الشوكاني وابن حزم، فأقرأ كتاب إبطال دعوه الإجماع في تحريم مُطلق السماع للشوكاني ومِن ثُم أذهب لكتب ابن القيم لأرى تفسير الصحابي ابن مسعود لأحاديث الرسول عن هذا الموضوع .
صدقاً مكثت مُدة ليست قليلة أبحث في هذا الأمر ليس لأصل لإجابة فقط وإنما لأفقه فقه احترام الخلاف بين العلماء، تجولت بين مئات الكُتب بكل ما فيها حتى اصل للنهايه ، وأدركت حقيقه الأمر بأنه مُختلف عليه بين الأئمه القدماء والحدث ما بين محرم ومحلل وكُل منهم يستند لأحاديث وآيات، وهناك مقوله تُثبت أن المسئلة هذه فيها خلاف ولا يوجد فيها إجماع وهي من علماء الحديث فتقول "ما ذُكِر في هذه المسئله صحيحه غير صريح وصريحه غير صحيح" .
تبهجني كثيراً هذة القصة عندما إختلف يونس الصدفي صديق الإمام الشافعي في مسئلة فذهب يونس الصدفي غاضباً متمسكاً برأيه لبيته وبعدها وجد أحد ينقر على الباب وإذا به الإمام الشافعي وتراه يقول له "أما يستقيم أن نكون إخوانا ولو إختلفنا في مسئلة "
ففي خلال هذه الرحلة تعرفت على الكثير من المشايخ الحدث الذين كانوا يثيروا إشمئزاز طفله صغيره، عندما ترى سائل يسأل عن هذه المسئله فيتغاضى الشيخ عن عرض الأراو ويذهب إلى عرض رأي يوافق هواه، فيعرض وجهاً للمسئله ولا يعرض الآخر بل ويصل الأمر إلى تكفير وإهانه الرأي الآخر وتأويل كُل ما يَستند عليه الرأي إن تم ذكره اساساً.
وكُنت أتعجب أوليس من فقه الدعوه ذكر إختلاف الأراء وتفاسيرها وما لها وما عليها،وعدم الأخذ إلاً بالحجه والدليلين النقلي والعقلي.
بل ما استفزني أكثر من هؤلاء المشايخ هو الأتباع العُميان لهم الذين لا يفقهون دينهم إلاَ من خلال أُناس بعدين شديد البُعد عن الدين.
أتتخيل هذا الكم من الضلال حين تتبع وتلتزم برأي أو شخص أو فكر دون أن تدري حقيقه الأمر أهذا حقاً ما قاله الله في القرآن وما أثبتته السنه الصحيحه؟!
لا يُهم الذي يُهِم هو أن الشيخ الفلاني يقول كذا
فالشاهد هُنا أن تُقدر ما أعطى الله لك من عقل فتبحث وترى الأمور من نواحيها حتى تصل للصواب فلا تُسلم عقلك إلاً لمن يعطيك الزاوية كاملة بما يُرضي الله والرسول.