كتب_عبدالله صلاح
صدر حديثاً عن دار عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع كتاب "الصحافة الروبوتية..الإيكولوجيا والهاكطولوجيا" من تأليف الدكتور أحمد عادل درويش، أستاذ الصحافة المساعد بكلية التربية النوعية جامعة المنصورة، ينطلق موضوعه من رصد ماهية الصحافة الروبوتية Robot Journalism ويستشرف مستقبل توظيف تقنياتها بالمؤسسات الإعلامية المصرية، والتأكيد علي أهميتها في تنفيذ المهام آلياً وفق التفكير الذكي والتحليل عِوضاً عنا، لتقود بدورها لتحولات كبري في بنية تلك المؤسسات وطرق عملها في جمع الأخبار وكتابتها ونشرها وتتبعها والتحقق منها.
وجاء هذا المنتوج العلمي ليفتح الكثير من المغاليق أمام الباحثين للتغلب علي ضبابية المفاهيم حول هذا النمط المستحدث وبيئة عمله؛ بوصفه ممارسة صحفية صاعدة تسهم بدورها في بلورة مفاهيما وقيما وآليات إعلامية فريدة تؤدي بدورها لظهور خريطة اتصالية تعتمد علي مفهوم الإعلام الذكي المدفوع بالقوة المتنامية للحوسبة كأحد عوامل التغيير بالمجال الإعلامي والتي تسهم بدورها في قياس اهتمامات المستخدمين بالمحتوي الصحفي وبذلك يزداد تأثيراتها الفردية والمؤسسية والمجتمعية، كما استعرض المؤلِّف مزايا وعيوب هذا التوجه ومواقف الصحفيين نحوه والتي تباينت وفق منحيين متكاملين، فيعتبر مؤيديه أنه لا يستهدف الاستغناء عن الصحفيين ولكنه فرصة لتحريرهم من الأعمال الروتينية من خلال توفير المزيد من الوقت للقيام بالمهام المعقدة كالاستقصاء والتحليل، وتدعم تشكيل الرأي العام، فيما أشار المعارضون لمخاوفهم من قيام المؤسسات الصحفية بالتخلي عن العنصر البشرى لصالح الروبوت.
ومن جهته رصد درويش انعكاسات توظيف تلك التقنيات علي مراحل الإنتاج الإخباري الذكي بوكالات الأنباء وغرف الأخبار محدداً من هم قادتها الجدد؟ ومدي الاستفادة منها؟ والكشف عن أبرز تحديات توظيفها في ضوء الأنظمة الجديدة لإدارة المحتوي الصحفي والتقنيات المساندة للتحرير الآلي.
وأوضح المؤلِّف ماهية الأخبار الزائفة وعوامل انتشارها والأطراف الفاعلة في صناعتها بالبيئة الرقمية وأبرز سبل تسويق السرديات البديلة وإشكاليات تأثيرها في الرأي العام، ورصد أبرز أدوات الاكتشاف الخوارزمي للتزييف والتي تستهدف مناهضة هاكطولوجيا الأخبار التي تصبو لتحقيق صالح القائمون بالفبركة ممن يسعون لتسييج الرأي العام بالأخبار الزائفة ومحاصرة الخطاب المُنَافِس في ضوء ما أطلق عليه "الاتصال التزييفي".
وعلي صعيد التساؤل حول الخوارزميات الذكية.. هل هي ثورة اتصالية أم هيمنة ثقافية؟ تَبيَّنَ أن ثورة الخوارزميات تقود الإنفوسفير نحو مسار جديد يرتكز علي وهم الخصوصية والاستهداف السلوكي لمستخدميها، حيث بدأ الأفراد في قبول الافتراضي علي أنه واقع، والواقع علي أنه افتراضي، ومن ثم فإن مفاتيح الفهم الصحيح لمأزقنا المتعلق بالتأريخ المفرط ونمو مستدام للإنفوسفير هي الإبداع والابتكار وإدارة المعلومات وليس الاتصالات والمعاملات فحسب، وهذا استدعي ضرورة فهم كيفية تفاعل الأشخاص مع الإنفوسفير الجديد في ظل الرعاية الخوارزمية لصناعة الأخبار بشكل يضع سيناريوهات جديدة للعمل بالمؤسسات الإعلامية في المستقبل.
أما عن مصير الدور الرقابي للصحافة كسلطة رابعة في ضوء سيادة الصحفي الآلي بدلاً من نماذج العمل الصحفي التقليدي وممارساته، اتضح أن الصحافة الروبوتية بمثابة ثورة تقنية تٌقدِّمْ طرقاً جديدة للمساعدة في الحفاظ على الدور الرقابي للصحافة كأهم أدوارها بالمجتمعات الديمقراطية، ومع تراجع نماذج العمل الصحفي التقليدي لا يمكن لهذا النمط المستحدث أن يحل بصورة كلية بدلاً من الصحافة المعاصرة، ولكن يمكنه توفير أدواتٍ تقلل من التكلفة وتستفيد بشكل أفضل من الوفرة المعلوماتية، وتدعم مواكبة التغيرات التكنولوجية المتسارعة.
وقدم درويش أول استراتيجية مصرية لتعظيم الاستفادة الإجرائية من تلك التقنيات الحديثة وإرساء قواعد أخلاقية لكل المساهمين في إنتاج مضامينها، وصولاً لوضع نهج إيكولوجي جديد قائم علي "التشغيل الروبوتي الآمن بالمؤسسات الصحفية في سبيل تحقيق الريادة الإعلامية".