التنمر ناقوس خطر يُهدد بيئات العمل ... عدم الوعى بثقافة الاختلاف من أهم أسبابه ... حبس وغرامة في القانون المصري لردع المتنمرين
تحقيق : نورا محروس
تُشير البيانات إلى أن 70% من الأطفال فى مصر يتعرضون للتنمر من زملائهم فى المدارس، ومؤخرًا أكدت "هالة أبوخطوة "مدير قسم الإعلام فى مكتب اليونيسيف بمصر التابع للمنظمة العالمية للأمم المتحدة أن التنمر ظاهرة عالمية وهناك حوالى 50% من الأطفال حول العالم يتعرضون للتنمر من زملائهم خاصة فى فترة المراهقة من 13 إلى 15 سنة.
وأشارت إلى أن ظاهرة التنمر في مصر منتشرة للغاية، ويعود ذلك لقلة الوعي بين الأطفال، وهذا يمثل نوعا من أنواع العنف، وقد ينتج عنها نبذ التعليم والذهاب للمدرسة والانتحار في بعض الحالات.
ودقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) وشركاؤها ناقوس الخطر إذ إن ملايين الأطفال بحسب المنظمات الدولية والحقوقية معرضون بشكل متزايد للأذى الآن أكثر من أي وقت سابق حيث تنصب حياتهم على الإنترنت خلال فترة الإغلاق بسبب جائحة كوفيد-19.
ويرى المدير التنفيذي للشراكة العالمية لإنهاء العنف ضد الأطفال أن جائحة كورونا أدت إلى ارتفاع غير مسبوق في الوقت الذي يقضيه الأشخاص أمام الشاشة. وقال "إن إغلاق المدارس وتدابير الاحتواء الشديدة تعني أن المزيد من الأسر تعتمد على التكنولوجيا والحلول الرقمية لتعليم أبنائها وترفيههم والتواصل مع العالم الخارجي. ولكن لا يتمتع كل الأطفال بالدراية والمهارة والموارد الضرورية للحفاظ على سلامتهم على شبكة الإنترنت.
وأوضحت "نهاد قاعود" أخصائى العلاج النفسي بوزارة الصحة أن التنمر هو شكل من أشكال المضايقات يكون لفظي أو جسدى وهو سلوك عدواني يكون من فرد أو مجموعة من الأفراد بغرض المضايقة والتقليل من شأن هذا الشخص حتى يشعر أنه ضعيف وغير قادر على الدفاع عن نفسه ،ويشمل على التنمراللفظى مثل السخرية بالتعليقات الغير لائقة،والتنمرالنفسي عن طريق الإحراج الدائم للشخص،والتنمر الجسدى مثل الضرب ،والتنمر الالكترونى الذي ظهر مؤخرا عن طريق وسائل التواصل الاجتماعى.
وأكدت أنه من أهم الأسباب التى أدت إلى انتشار هذه الظاهرة هى عدم وجود ثقافة الاختلاف في المجتمع، وقلة الوعي والتنشئة الأسرية الخاطئة ،مما يساعد على ممارسة بعض السلوكيات العدوانية ،وزيادة معدلات الإصابة بالأمراض النفسية مثل اضطراب الشخصية والاكتئاب.
كما أن ظاهرة التنمر تؤثر سلبا على الضحية وتسبب له اثارا نفسية منها الشعور بالخجل الاجتماعى والرغبة فى الانعزال عن المجتمع وفقدان الثقة بالنفس ،وتدنى احترام وتقدير الشخص لذاته،كما انها يمكن أن تودى به فى النهاية إلى فقدان الرغبة في الحياة .
وأوصت بضرورة رفع الوعي داخل الأسرة المصرية وتربية الأطفال تربية سوية بعيدا عن العنف من خلال بناء علاقة صداقة مع الأبناء منذ الصغر والتواصل معهم لكسبهم الصلابة أو المناعة النفسية فى التعامل مع الشخص المسئ،وتشجيعهم على المشاركة بالأنشطة الاجتماعية والتكيف مع المجتمع،وممارسة الرياضات المختلفة لتعزيز قوتهم البدنية والنفسية وثقتهم بأنفسهم.
كما أن التنمر يؤثرأيضا سلبا على حياة الموظفين حيث أن التعامل السيء مع الموظف كالتقليل من شأنه أو شتمه أمام زملاءه أو تهديده بالخصم من الراتب أو الفصل بلا سبب يؤدى إلى مضايقته لدرجة أنه قد يجبر نفسياً وقهرياً على ترك العمل بتقديم الاستقالة وهذا ما يسمى "بالتنمر الوظيفي" ،وبناءا على دراسة علمية وجد أن نسبة انتشار ظاهرة التنمر تتراوح بين 15-19%، وكان نصيب الذكور المتنمرين 70% ، و61% منهم يشغلون مناصب إدارية، بينما تشكل نسبة الموظفات بين ضحايا التنمر 60%. وتشير الأرقام إلى ناقوس خطر ينبه لمشكلة تهدد بيئات العمل وتؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وزيادة معدلات التسرب الوظيفي.
وقال إبراهيم رجب المستشار القانوني أن ظاهرة التنمر أصبحت تشكل خطرا على المجتمع المصري ،مما دفع السلطات المصرية إلى إصدار تشريع جديد لمواجهة هذه الظاهرة باعتبار التنمر جريمة لأول مرة فى صياغة القوانين بمصر.
وأضاف أنه بتاريخ يوليو 2020،وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات،بإضافة مادة جديدة لقانون العقوبات،برقم"309مكرراب"،حيث نصت على انه يعد تنمرًا كل مَن قام بنفسه أو بواسطة الغير باستعراض القوة أو التلويح بالعنف أو التهديد بأيهما، أو استخدامه ضد المجني عليه أو اتخاذ تدابير أخرى غير مشروعة بقصد الإساءة للمجني عليه كالجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعى، بقصد تخويفة أو وضعه موضع السخرية أو الحط من شأنه .
وأقر مشروع القانون عقاب المتنمر بالحبس مدة لا تقل عن 6 اشهر، وبغرامة لا تقل عن 10 الاف جنيه ، ولا تزيد على 30 الف جنيه ، فضلا عن تشديد عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 20 الف جنيه ، ولا تزيد على 100 الف جنيه حال وقوع الجريمة من شخصين او اكثر.
على الجانب الأخر،قال خالد عمران أمين عام الفتوى بدار الإفتاء، أن التنمر من السلوكيات المرفوضة التي تُنافي قيمتى السلام وحسن الخلق في شريعة الإسلام،وقد حرم الإسلام الإيذاء والاعتداء ، فقال تعالى: «..وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» (البقرة: 190)وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تُظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك".
وأضاف أن التنمر يشتمل على السخرية واللمز والاحتقار وهي أفعال مذمومة جاء الشرع الشريف بالنهي عنها صراحة في القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾.
وعلى مستوى التعليم، بدأت الدولة تنتهج أساليب جديدة منها أن يتم الاهتمام بالمواد الدراسية التي تؤكد على ضرورة احترام الآخر. وفي سبتمبر 2020، أعلن الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم عن الانتهاء من طباعة كتاب "القيم واحترام الاخر" للصف الثالث الابتدائي، والذي كان أحد الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة قد طالب به الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال تواجده في أحد الفاعليات. كما أنه من المقرر ألا يتوقف الأمر على تدريس هذه المادة للصف الثالث فحسب، ولكن سوف يتم اعدادها وتدريسها كذلك لطلاب الصفوف الأولى والثانية الابتدائية.
وهناك العديد من الوقائع التى ظهرت على الساحة مؤخرًا وتسببت فى إيذاء الكثيرين منها:
عروس مصرية تُدعى «هدير» قد تعرضت لحملة من التنمر عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن تم نشر صور خطوبتها التي أقيمت في الشارع بمنطقة شبرا، وتنمر رواد السوشيال ميديا على إطلالتها وشكل المكياج، وقالت هدير:" من سخروا مني نشروا كلامًا في غاية الصعوبة، ما أثر على حالتي النفسية بشكل غير طبيعي، وهو ما أدخلني في حالة نفسية سيئة، وصعبت عليّ نفسي".
وحكت ريم مأساتها مع التنمر بسبب بشرتها السمراء قائلة :"من وأنا صغيرة أكتر تعليقات كانت بتتقالى وبسمعها "سمرا بس حلوة" أو "سمرا بس جميلة" أو "سمرا بس ضحكتها حلوة"وكأنهم صنفوا أن السمار ده عيب خلقي مثلا مع إنى شايفه غير أنه خلقة ربنا هو كمان حاجة مميزة جدا".
وتعرض الشاب "ع.ج" للتنمر أيضا خلال دراسته، بسب "اللدغة" وعدم نطقة لبعض الحروف بشكل صحيح، قائلاً:" وإحنا أطفال كانت العيال بتضحك عليا عشان ألدغ ومكنتش فاهم ليه لحد موقف معين حولنى لـ ١٨٠ درجة ومبقاش فارق معايا تريقة بالعكس كنت بضحك معاهم وبقيت فخور، بأن ربنا ميزنى عنهم بالميزة دى الحمدلله.