كتب_ هايدي الصقار
سورة الأنعام هي من السور الطوال في القرآن الكريم، فهي تتألّف من 165 آية، وهي السورة السادسة في ترتيب المصحف الشريف ، حيث تقع في الجزء الثامن وفي الحزب 13،14،15 ، وقد نزلَ أكثرها في مكة المكرمة فهي سورة مكية في غالب آياتِها، ويُستثنى من آياتِها آيات نزلتْ في المدينه المنورة، و سورة الأنعام نزلت بعد سورة الحجر ، وهي أول سورة ابتدأت بالحمد قال تعالى: " الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ، ويدور محور السورة حول "التوحيد وأصول الإِيمان".
ومن الجدير بالذكر أنّها سُمِّيتْ أيضًا سورةَ الحُجّة، وكان هذا الاسم لما اشتملتْ عليه من دلائل التَّوحيد، وأحكام العقيدة، وأركانِ الإيمان موجزةً ومفصَّلة؛ إثباتًا لوحدانية الله تعالى وقدرته، واستحقاقه العبادة، ولصِدق النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وبيان وظيفته، وحقيقة الموت والحياة، والبعث والحساب والجزاء المخلد في الجنة أو النار؛ لذلك قال عنها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "الأنعام من نواجِبِ القرآن"؛ أي: من عِتاقِه، وفي رواية: "من نجائبِ القرآن"؛ أي: من أفاضل سورِة.
تتعدّد أسباب نزول آياتِها، بتعدد الحوادث التي اقتضت نزول آيات مرافقة لها، خصوصًا أنّ هذه السورة نزلتْ بعض آياتِها في المدينة ونزل القسم الأكبر منها في مكة المكرمة، ومن أسباب نزول هذه السورة ما يأتي: قال ابن عباس وقتادة: إنّ الآية التي قال فيها الله تعالى: "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ" ، نزلتْ في مالك بن الصيف وكعب بن الأشرف اليهوديين. وقوله تعالى: "وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ" ، نزلت في ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، وقال ابن جرير: نزلت في معاذ بن جبل.
وهي من السور التي نزلتْ دفعة واحدة على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وقد وردَ حديث حسن في السنة النبوية عن نزول هذه السورة دفعة واحد، وهو ما وردَ عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "نزلت سورة الأنعام على النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- ومعها موكب من الملائكة سدَّ ما بين الخافقين، لهم زجل بالتسبيح والتقديس، والأرض ترتج، ورسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: سبحان الله العظيم، سبحان الله العظيم"،
القرآن كله يمكن الدعاء بما شاء الإنسان منه لما في الحديث: عن عمران بن حصين: أنه مر على قارئ يقرأ، ثم سأل، فاسترجع ثم قال: سمعت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: "من قرأ القرآن فليسألِ الله به، فإنه سيجيء أقوام يقرؤون القرآن يسألون به الناس"، والله تعالى أعلم
وتناولت سورة الأنعام القضايا الأساسية الكبرى لأصول العقيدة والإيمان فتناولت قضية الألوهية ، قضية الوحي والرسالة ، قضية البعث والجزاء
والحديث في هذه السورة يدور بشدة حول هذه الأصول الأساسية للدعوة ونجد سلاحها في ذلك الحجة والبرهان والدلائل القاطعة للإقناع لأنها نزلت في مكة على قوم مشركين، ومما يلفت النظر في السورة الكريمة أنها عرضت لأسلوبين بارزين لا نكاد نجدهما بهذه الكثرة في غيرها من السور وهما: أسلوب التقرير وأسلوب التلقين. ونرى هذين الأسلوبين يأتيان بالتتابع في السورة فتأتي الآيات التي يذكر الله تعالى لنا البراهين على عظمته وقدرته في الكون ثم تنتقل الآيات للحجة مع المشركين والملحدين والبعيدين عن التوحيد.
تأتي قصة سيدنا إبراهيم مع قومه وسبب ورود هذه الجزئية من قصة سيدنا إبراهيم في سورة الأنعام مناسب لأسلوب الحجة وإقامة البراهين والأدلة عند مواجهة المشركين والملحدين فجاءت الآيات تعرض قصة سيدنا إبراهيم ومحاجته لقومه من الآيات 74- 83.
ثم تأتي آية فاصلة في السورة تدلنا على أن آيات الله تعالى في الكون ترى ولكن القلوب إذا عميت لا تراها وتجحد بها وتكفر. (قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (الآية 104)
ثم تختم السورة بربع كامل بالوصايا العشر التي نزلت في تلك الكتب السابقة ودعا إليها جميع الأنبياء السابقين (قل تعالوا أتل ما حرّم ربكم عليكم..) وتنتهي يآية فذة تكشف للإنسان عن مركزه عند ربه في هذه الحياة وهو أنه خليفة في الأرض وأن الله تعالى جعل عمارة الكون تحت يد الإنسان تتعاقب عليه أجياله وأن الله تعالى فاوت في المواهب بين البشر لغاية سامية وحكمة عظيمة وهي الابتلاء والاختبار في القيام بتبعات هذه الحياة وذلك شأن يرجع إليه كماله المقصود من هذا الخلق وذلك النظام. وهذا كله مرتبط بهدف سورة البقرة وهو الاستخلاف في الأرض. سورة الأنعام تتحدث عن ملك الله تعالى في الكون وكأنما يقول تعالى لنا وحدوني أملككم الأرض وأجعلكم خلائف. (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) آية 165.
و الله أعلم