(خواطر آية) الآية رقم 7 (( يوم 7 رمضان ))



كتب_مصطفى عصام 

عندما نقرأ سورة البقرة فسوف نقف عند هذه الآية المباركة التي يقول فيها الله سبحانه وتعالى(( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ))

وهنا وما دمنا قد ذقنا حلاوة ما أعطانا الله سبحانه وتعالى من إشراقات صفائية فى الصيام ، فإننا سنتجه إلى شكره سبحانه وتعالى، وهذا يناسب أن يرد علينا الحق فيقول:

((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ )) ، ونلاحظ أن((إذا))جاءت ولم تأتى((أن)) ، فالحق يؤكد لنا أننا بعد ما نرى هذه الحلاوة سنشكر الله ، لأنه سبحانه وتعالى يقول فى الحديث القدسي الشريف:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ثلاثة لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ )). رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

فما دام سبحانه وتعالى سيجيب الدعوة ، وأننا قد نكون من العامة لا إمامة لنا وكذلك لسنا مظلومين، إذن لم يتقبى إلا دعوة الصائم.

أننا نحن الان أمام أية جاء فيها سؤال وكان الإجابة مباشرة
((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي)) ،فلم يقل : ((فقل إني قريب )) ، لأن قوله((قل)) هو عملية تطيل القرب ، ويريد الله أن يجعل القرب بدون وساطة :(( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ))
،لقد جعل الجواب منه لعباده مباشرة ، وإن كان سيبلغ الجواب النبي الأمين صلى الله عليه وسلم .

ولقد سأل قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أقريب هو فنناجيه أم بعيد فنناديه )) لأن عادة البعيد أن ينادي عليه، أما القريب فيناجي، ولكى يبين لنا القرب ، حذف لنا :((قل))
فجاء قول الحق تبارك وتعالى: (( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ)).

وما فائدة ذلك القرب؟ إن الحق يقول: { أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } ولكن ما الشروط اللازمة لذلك؟

لقد قال الحق: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي } ونعرف أن فيه فرقا بين  عبيد وعباد، صحيح أن مفرد كل منهماعبد ، لكن هناك عبيد وعباد  وكل من في الأرض عبيد الله، ولكن ليس كل من في الأرض عباداً لله، لماذا؟

لأن العبيد هم الذين يُقهرون في الوجود كغيرهم بأشياء، وهناك من يختارون التمرد على الحق، لقد أخذوا اختيارهم تمرداً، لكن العباد هم الذين اختاروا الانقياد لله في كل الأمور.إنهم منقادون مع الجميع فى أن واحدا لا يتحكم متى يولد، ولا متى يموت، ولا كيف يوجد، لكن العباد يمتازون بأن الأمر الذي جعل الله لهم فيه اختياراً قالوا: صحيح يا رب أنت جعلت لنا الاختيار، وقد اخترنا منهجك، ولم نترك هوانا ليحكم فينا، أنت قلت سبحانك:  افعل كذا ولا تفعل كذا
ونحن قبلنا التكليف منك يا رب.

ولا يقول لك ربك: افعل إلا إذا كنت صالحاً للفعل ولعدم الفعل. ولا يقول لك: لا تفعل إلا إذا كنت صالحاً لهذه ولهذه. إذن فكلمة افعل ولا تفعل تدخل في الأمور الاختيارية، والحق قد قال: افعل ولا تفعل ثم ترك أشياء لا يقول لك فيها افعل ولا تفعل ، فتكون حراً في أن تفعلها أو لا تفعلها، اسمهامنطقة الاختيار المباح  فهناك اختيار قُيِّدَ بالتكليف بافعل ولا تفعل، واختيار بقى لك أن تفعله أو لا تفعله ولا يترتب عليه ضرر؛ فالذي أخذ الاختيار وقال: يا رب أنت وهبتني الاختيار، ولكنني تركت لك يا واهب الاختيار أن توجه هذا الاختيار كما تحب، أنا سأتنازل عن اختياري، وما تقول لى:  افعل سأفعله، والذي تقول لى: لا تفعله لن أفعله.

إذن فالعباد هم الذين أخذوا منطقة الاختيار، وسلموها لمن خلق فيهم الاختيار، وقالوا لله: وإن كنت مختاراً إلا أنني أمنتك على نفسي. إن العباد هم الذين ردوا أمر الاختيار إلى من وهب الاختيار ويصفهم الحق بقوله:{ وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً * وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً }
[الفرقان: 63-64].

والحق يقول: { فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي }؛ لأن الدعاء يطلب جواباً، ومادمت تطلب إجابة الدعاء فتأدب مع ربك؛ فهو سبحانه قد دعاك إلى منهجه فاستجب له إن كنت تحب أن يستجيب الله لك { فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي } ، وبعد ذلك يتكلم الحق سبحانه وتعالى في كلمة { ٱلدَّاعِ } ولا يتركها مطلقة، فيقول: { إِذَا دَعَانِ } فكأن كلمة  دعا تأتي ويدعو بها الإنسان، وربما اتجه بالدعوة إلى غير القادر على الإجابة، ومثال ذلك قول الحق:{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ }

 ويذيل الحق الآية بقول: { لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } فما معنى { يَرْشُدُونَ }؟ إنه يعني الوصول إلى طريق الخير وإلي طريق الصواب. وهذه الآية جاءت بعد آية { شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ } كي تبين لنا أن الصفائية في الصيام تجعل الصائم أهلاً للدعاء، وقد لا يكون حظك من هذا الدعاء الإجابة، وإنما يكون حظك فيه العبادة.

فلنقرأ سورة البقرة ونتدبر ما فيها من ايآت ومعانى